الإصلاح بين المؤمنين
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين" [الحجرات :9]
معانى بعض الآيات :
الطائفة : الجماعة والفئة من الناس.
والبغى : الظلم والعدوان.
والفىء : الرجوع والامتثال.
والقسط : العدل والإنصاف.
سبب النزول :
وسبب نزول هذه الآية خلاف وقع بين الأوس والخزرج –رضوان الله عليهم – جميعا او هو بين جماعتين من الأنصار مطلقا.
روى البخارى فى كتاب الصلح عن مسدد وروى بحوه مسلم فى كتاب المغازى عن عبد الأعلى وروى الإمام أحمد فى مسنده عن أنس قال : قيل للنبى صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبى فانطلق اليه النبى صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون فى أرض سبخة فلما انطلق النبى صلى الله عليه وسلم إليه قال : "إليك عنى فوالله لقد آذانى ريح حمارك" فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك قال : فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل واحد منهما أصحابه قال : فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى والنعال فبلغنا انه أنزلت فيهم "وإن طائفتان من المؤمنين".
وفى بعض روايات هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان زائرا لعبد الله بن أبى ولكنه كان يعود مريضا فمر به فقال ما قال فكان ما كان وفى بعض الروايات أيضا تصريح باسم الرجل الذى انتصر لنبى الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن رواحه رضى الله عنه.
وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ولم يذكر سببه فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمره أن يصلح بينهما.
وقال السدى : إن رجلا من الأنصار اسمه عمران كانت له المرأة تدعى أم زيد وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها فى مكان عال لا يدخل عليها أحد من أهلها وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها وإن الرجل كان قد خرج فاستعان أهل الرجل فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية فيعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله.
موقف المؤمنين من الطائفتين المختلفتين :
ذلك مجمل ما ذكر فى أسباب نزول الآية الكريمة وهاأنت ترى أن سببها أن قوما اختلفوا فبين الله – تبارك وتعالى – موقف بقية المؤمنين من الفئتين المختلفتين بهذه الآية الكريمة ويتخلص هذا الموقف فيما يأتى :
أولا : أن المؤمن قد أعطاه الله حقا عليه ان يستخدمه ويقوم بواجبه هذا الحق هو أن يكون داعية السلام ونصير الحق فى أى موطن وفى أى وقت فمن واجب المسلم الدينى على هذا أن يكون دائما مصدر توثيق وهداية وأمن وسلام وأن يعمل لذلك ما استطاع إليه سبيلا وأن من واجبه كذلك إذا أبى الناس عليه الحق الأول أن يستخدم القوة حتى يعود الحق إلى نصابه فالإسلام لا يرضى للمسلم هذا الموقف السلبى أمام حق يغتصب ولو من غيره وباطل يطغى ولو على سواه وسلام تعبث به المطامع وإن كان ذلك بعيدا عنه بل عليه أن يعمل للخير فى ذاته وإن كان خيرا للجماعة لا لشخصه.
ثانيا : أن من واجب المسلم فى مثل هذا الموقف أن يتقدم بالنصيحة أولا وأن يبين الحقائق بالدليل والبرهان وأن يزيل ما عساه أن يكون من شبهة بين الفريقين.
ثالثا : أن الأساس الذى يجب أن يدعو إليه المصلح ويرجع إليه المتخاصمان محدود معروف واضح هو حكم الله وأمره من غير أن تحرفه الأهواء أو تعطله الغايات والأغراض فذلك هو الدستور الذى لا يقدح فيه ولا يخرج على حكمه إلا كل معتد أثيم.
رابعا : أن من حق المسلم إذا أهملت الفئة القوية الباغية هذا الأساس أن ينضم إلى الفئة الأخرى فيكون فى صفها حتى تنتصف ويرتد عنها عدوان المفسدين وحيف الظالمين فإن أبت الفئتان جميعا النزول على حكم الله فهما خارجتان فمن واجبه أن يردهما جميعا إلى الحق وأن يقف منهما الخصومة حتى يخضد شوكتهما ويفل غربهما وتضعف قوتهما وترجعا إلى حكم الله فإن الحق لا يرهب صولة أحد ولا يدخر المؤمنون فى سبيل نصرته نفسا أو مالا وإنما يعيش المسلم فى هذه الحياة بالحق للحق.
خامسا : إذا رجعت الفئتان إلى حكم الله فمن واجب المحكمين أن يتحروا العدل والقسط والإنصاف وألا يجوروا فى حكم أو يظلموا فى قضية أو يتأثروا بهوى فإن الحق أحق أن يتبع ولن يجتمع الحق والهوى فى قرن والله يحب المقسطين العادلين الذين لا يتأثرون فى حكمهم ولا يهضمون العدل فى قضاياهم.
الآية خطاب لكل مؤمن :
واعلم يا أخى المخاطب بهذا الخطاب فى الأمة الكريمة هم المؤمنون جميعا فكل مسلم مكلف كفرد بإنفاذ مضمون هذه الآية تحقيقا لمدلولات القرآن الكريم وأوامره ونصوصه ولكن كيفية هذا التنفيذ تختلف باختلاف البيئات والظروف وطبائع الأشياء فإذا كان الخلاف بين أفراد الأسرة فولى أمرها وراعيها وجيرانها ومعارفها مخاطبون بهذه الآية الكريمة وعليهم إنقاذها فإن لم ينفذها أفراد الأسرة رفعوا أمرهم إلى من يستطيع إلزامهم الحق وساعدوا ما استطاعوا على ان يعود الحق إلى نصابه بكل الوسائل الممكنة لهم.
وإذا كان الخلاف بين أفراد القرية أو البلد كان ذلك واجب الرؤساء والوجهاء وذوى الرأى والمكانة فيهم وإذا كان بين أفراد الأمة وهيئاتها كان ذلك واجب الإمام وهو الحاكم العام للمسلمين سواء كان خليفة أو ملكا أو أميرا وعليه أن يستخدم فى ذلك الجيش الإسلامى ويكون من يجاهد البغاة فى تلك المواقف بسبب بغيهم مجاهدا فى سبيل الله.
وهكذا ترى دائرة التنفيذ تتسع وتضيق بحسب حدود الخلاف وأقطاره.
وأظنك عرفت من هذا أن القرآن الكريم – وهو دستور العالم الشامل الكامل – قد وضع بهذه الآية الكريمة نظام التحكيم (بروتوكول التحكيم) قبل أن يفكر الغربيون فى عصبة الأمم بأكثر من ألف عام وأظنك عرفت أيضا أن الآية قد أحاطت هذا النظام بسياج من العدالة والقداسة جعلته للحق وحده على حين نرى التحكيم الغربى كلمة حق يراد بها باطل ووسيلة كل ما يقصد من ورائها تلمس الحيل ليصطبغ عدوان القوى على الضعيف بصبغة يقولون إنها شرعية.
مبادئ اجتماعية مستفادة :
وقد قررت الآية الكريمة للمسلمين عدة مبادئ من اسمى المبادئ الاجتماعية وأعظمها نفعا للأمم والشعوب منها :
أولا : وجوب وحدة الأمة والعمل على سلامة هذه الوحدة وصيانتها من العبث والبغى وفى ذلك يقول الله – تبارك وتعالى - : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا". [آل عمران : 103]
ثانيا : وجوب إصلاح ذات البين وهو خلق شريف وعمل فاضل حث عليه الإسلام ورفع من قدره الكتاب والسنة يقول الله –تبارك وتعالى-: "لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" [النساء : 114 ]
وروى أبو داود والترمذى وابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هى الحالقة وزيد فى رواية : "لا أقول : تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".
وروى البزار والطبرانى عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى أيوب : "ألا أدلك على تجارة ؟ قال : بلى قال : صل بين الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا" والآثار فى ذلك أكثر من أن تحصر.
ثالثا : الانتصار للمظلوم حتى ينال حقه وهذا خلق إذا نما فى الأمة علمها العزة ورفع عنها الذلة وزادها ارتباطا وحبا واخوة وقربا وقد حث عليه كذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة فقد قال الله تعالى فى وصف المؤمنين :"والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون" [الشورى : 39 ].
وروى أبو داود فى الحديث الشريف عن جابر وأبى طلحة – رضى الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من مسلم يخذل امرءا مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يجب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما فى موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله فى موطن يجب فيه نصرته".
رابعا : وجوب تغيير العدوان وإقامة العدل مهما كانت العوائق فى سبيل ذلك وروى الطبرانى والبزار فى الحديث "لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع".
ومن أروع المثل النبوية الشريفة فى هذا المعنى ما رواه البخارى عن النعمان بن بشير - رضى الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا فى سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
وبعد … فهذه بعض المبادئ السامية التى أشارت إليها آية واحدة من كتاب الله .. فهل تطمع أمة تتعشق الكمال فى أروع من هذا السمو ؟ اللهم لا.
"وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين" [الحجرات :9]
معانى بعض الآيات :
الطائفة : الجماعة والفئة من الناس.
والبغى : الظلم والعدوان.
والفىء : الرجوع والامتثال.
والقسط : العدل والإنصاف.
سبب النزول :
وسبب نزول هذه الآية خلاف وقع بين الأوس والخزرج –رضوان الله عليهم – جميعا او هو بين جماعتين من الأنصار مطلقا.
روى البخارى فى كتاب الصلح عن مسدد وروى بحوه مسلم فى كتاب المغازى عن عبد الأعلى وروى الإمام أحمد فى مسنده عن أنس قال : قيل للنبى صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبى فانطلق اليه النبى صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون فى أرض سبخة فلما انطلق النبى صلى الله عليه وسلم إليه قال : "إليك عنى فوالله لقد آذانى ريح حمارك" فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك قال : فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل واحد منهما أصحابه قال : فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى والنعال فبلغنا انه أنزلت فيهم "وإن طائفتان من المؤمنين".
وفى بعض روايات هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان زائرا لعبد الله بن أبى ولكنه كان يعود مريضا فمر به فقال ما قال فكان ما كان وفى بعض الروايات أيضا تصريح باسم الرجل الذى انتصر لنبى الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن رواحه رضى الله عنه.
وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ولم يذكر سببه فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمره أن يصلح بينهما.
وقال السدى : إن رجلا من الأنصار اسمه عمران كانت له المرأة تدعى أم زيد وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها فى مكان عال لا يدخل عليها أحد من أهلها وإن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها وإن الرجل كان قد خرج فاستعان أهل الرجل فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية فيعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله.
موقف المؤمنين من الطائفتين المختلفتين :
ذلك مجمل ما ذكر فى أسباب نزول الآية الكريمة وهاأنت ترى أن سببها أن قوما اختلفوا فبين الله – تبارك وتعالى – موقف بقية المؤمنين من الفئتين المختلفتين بهذه الآية الكريمة ويتخلص هذا الموقف فيما يأتى :
أولا : أن المؤمن قد أعطاه الله حقا عليه ان يستخدمه ويقوم بواجبه هذا الحق هو أن يكون داعية السلام ونصير الحق فى أى موطن وفى أى وقت فمن واجب المسلم الدينى على هذا أن يكون دائما مصدر توثيق وهداية وأمن وسلام وأن يعمل لذلك ما استطاع إليه سبيلا وأن من واجبه كذلك إذا أبى الناس عليه الحق الأول أن يستخدم القوة حتى يعود الحق إلى نصابه فالإسلام لا يرضى للمسلم هذا الموقف السلبى أمام حق يغتصب ولو من غيره وباطل يطغى ولو على سواه وسلام تعبث به المطامع وإن كان ذلك بعيدا عنه بل عليه أن يعمل للخير فى ذاته وإن كان خيرا للجماعة لا لشخصه.
ثانيا : أن من واجب المسلم فى مثل هذا الموقف أن يتقدم بالنصيحة أولا وأن يبين الحقائق بالدليل والبرهان وأن يزيل ما عساه أن يكون من شبهة بين الفريقين.
ثالثا : أن الأساس الذى يجب أن يدعو إليه المصلح ويرجع إليه المتخاصمان محدود معروف واضح هو حكم الله وأمره من غير أن تحرفه الأهواء أو تعطله الغايات والأغراض فذلك هو الدستور الذى لا يقدح فيه ولا يخرج على حكمه إلا كل معتد أثيم.
رابعا : أن من حق المسلم إذا أهملت الفئة القوية الباغية هذا الأساس أن ينضم إلى الفئة الأخرى فيكون فى صفها حتى تنتصف ويرتد عنها عدوان المفسدين وحيف الظالمين فإن أبت الفئتان جميعا النزول على حكم الله فهما خارجتان فمن واجبه أن يردهما جميعا إلى الحق وأن يقف منهما الخصومة حتى يخضد شوكتهما ويفل غربهما وتضعف قوتهما وترجعا إلى حكم الله فإن الحق لا يرهب صولة أحد ولا يدخر المؤمنون فى سبيل نصرته نفسا أو مالا وإنما يعيش المسلم فى هذه الحياة بالحق للحق.
خامسا : إذا رجعت الفئتان إلى حكم الله فمن واجب المحكمين أن يتحروا العدل والقسط والإنصاف وألا يجوروا فى حكم أو يظلموا فى قضية أو يتأثروا بهوى فإن الحق أحق أن يتبع ولن يجتمع الحق والهوى فى قرن والله يحب المقسطين العادلين الذين لا يتأثرون فى حكمهم ولا يهضمون العدل فى قضاياهم.
الآية خطاب لكل مؤمن :
واعلم يا أخى المخاطب بهذا الخطاب فى الأمة الكريمة هم المؤمنون جميعا فكل مسلم مكلف كفرد بإنفاذ مضمون هذه الآية تحقيقا لمدلولات القرآن الكريم وأوامره ونصوصه ولكن كيفية هذا التنفيذ تختلف باختلاف البيئات والظروف وطبائع الأشياء فإذا كان الخلاف بين أفراد الأسرة فولى أمرها وراعيها وجيرانها ومعارفها مخاطبون بهذه الآية الكريمة وعليهم إنقاذها فإن لم ينفذها أفراد الأسرة رفعوا أمرهم إلى من يستطيع إلزامهم الحق وساعدوا ما استطاعوا على ان يعود الحق إلى نصابه بكل الوسائل الممكنة لهم.
وإذا كان الخلاف بين أفراد القرية أو البلد كان ذلك واجب الرؤساء والوجهاء وذوى الرأى والمكانة فيهم وإذا كان بين أفراد الأمة وهيئاتها كان ذلك واجب الإمام وهو الحاكم العام للمسلمين سواء كان خليفة أو ملكا أو أميرا وعليه أن يستخدم فى ذلك الجيش الإسلامى ويكون من يجاهد البغاة فى تلك المواقف بسبب بغيهم مجاهدا فى سبيل الله.
وهكذا ترى دائرة التنفيذ تتسع وتضيق بحسب حدود الخلاف وأقطاره.
وأظنك عرفت من هذا أن القرآن الكريم – وهو دستور العالم الشامل الكامل – قد وضع بهذه الآية الكريمة نظام التحكيم (بروتوكول التحكيم) قبل أن يفكر الغربيون فى عصبة الأمم بأكثر من ألف عام وأظنك عرفت أيضا أن الآية قد أحاطت هذا النظام بسياج من العدالة والقداسة جعلته للحق وحده على حين نرى التحكيم الغربى كلمة حق يراد بها باطل ووسيلة كل ما يقصد من ورائها تلمس الحيل ليصطبغ عدوان القوى على الضعيف بصبغة يقولون إنها شرعية.
مبادئ اجتماعية مستفادة :
وقد قررت الآية الكريمة للمسلمين عدة مبادئ من اسمى المبادئ الاجتماعية وأعظمها نفعا للأمم والشعوب منها :
أولا : وجوب وحدة الأمة والعمل على سلامة هذه الوحدة وصيانتها من العبث والبغى وفى ذلك يقول الله – تبارك وتعالى - : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا". [آل عمران : 103]
ثانيا : وجوب إصلاح ذات البين وهو خلق شريف وعمل فاضل حث عليه الإسلام ورفع من قدره الكتاب والسنة يقول الله –تبارك وتعالى-: "لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" [النساء : 114 ]
وروى أبو داود والترمذى وابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هى الحالقة وزيد فى رواية : "لا أقول : تحلق الشعر ولكن تحلق الدين".
وروى البزار والطبرانى عن أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى أيوب : "ألا أدلك على تجارة ؟ قال : بلى قال : صل بين الناس إذا تفاسدوا وقرب بينهم إذا تباعدوا" والآثار فى ذلك أكثر من أن تحصر.
ثالثا : الانتصار للمظلوم حتى ينال حقه وهذا خلق إذا نما فى الأمة علمها العزة ورفع عنها الذلة وزادها ارتباطا وحبا واخوة وقربا وقد حث عليه كذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة فقد قال الله تعالى فى وصف المؤمنين :"والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون" [الشورى : 39 ].
وروى أبو داود فى الحديث الشريف عن جابر وأبى طلحة – رضى الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من مسلم يخذل امرءا مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله فى موطن يجب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما فى موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله فى موطن يجب فيه نصرته".
رابعا : وجوب تغيير العدوان وإقامة العدل مهما كانت العوائق فى سبيل ذلك وروى الطبرانى والبزار فى الحديث "لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق ولا يأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع".
ومن أروع المثل النبوية الشريفة فى هذا المعنى ما رواه البخارى عن النعمان بن بشير - رضى الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مثل القائم فى حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا فى سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
وبعد … فهذه بعض المبادئ السامية التى أشارت إليها آية واحدة من كتاب الله .. فهل تطمع أمة تتعشق الكمال فى أروع من هذا السمو ؟ اللهم لا.
No comments:
Post a Comment